سويسرا: السكان يُشاركون في التخطيط الحضري

المشاركة المجتمعية أكتوبر 27, 2019 أقل من أ دقيقة

هذا المحتوى مقدم من منصة حكومة 01

قلما تسلم المدن من أخطاءٍ في التخطيط الحضري تتراكم عبر السنين، وقد تُحيل مناطق لها قيمتها الفنية والتاريخية إلى نماذج حية لتضارب الأنماط المعمارية تذهب بنصيبٍ وافر من جماليات التصميم الحضري.

وبدلًا من الخطط الحكومية والمسابقات المعمارية التي تكون للحكومات والمعماريين وحدهم كلمة الفصل فيها، ارتأت مدينة لوزان في سويسرا إعادة تصميم ميدان لاريبون (Place de la Riponne) عبر البدء باستشارات واسعة مع الجمهور استمرت عدة أشهر.

ويزخر الميدان، بتخطيطه الأقرب إلى شكل القمع، بمبانٍ على طراز عصر النهضة الجديدة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لكن في الستينيات شُيّدت في الميدان مقرات حكومية حملت طابع العمارة القاسية التي تُميّزها الكتل الخرسانية الكبيرة والجرداء، الأمر الذي أفقد الميدان سمته الخاص وجانبًا كبيرًا من قيمته التاريخية والسياحية، وتفاقم الأمر باقتطاع مسار ضيق من الميدان ليقود إلى مرآب للسيارات تحت الأرض.

على خطى الديمقراطية المُباشرة

لا تُعتبر مشكلة الميدان فريدة من نوعها، وبالمثل تُعد محاولة علاجها مع المحافظة على الحس الفريد للمكان غايةً مألوفة. ومع ذلك، اختارت مدينة لوزان أسلوبًا تجريبيًا يعتمد على مشاورات مفتوحة مع السكان حول الميدان وما يعنيه للفئات المختلفة منهم، ولم تقتصر على طرح خطط مُسبقة يختار الجمهور من بينها.

وبذلك انتهجت المدينة تقليد الديمقراطية المُباشرة في سويسرا؛ فمنذ العصور الوسطى طالما اجتمع مواطنوها في الأماكن العامة لاتخاذ القرارات حول الشؤون المحلية عبر التصويت العلني.

وتحقيقًا لهذا الغرض نُظمت سلسلة من الفعاليات والنقاشات شملت جولات بصحبة مرشدين حول الميدان ولقاءات مع السكان في أماكن مختلفة من المدينة. وتطرق بعضها إلى مسائل محددة مثل سُبل تهيئة المنطقة للتوافق مع اعتبارات المحافظة على البيئة، في حين كان بعضها نظريًا إلى حدٍ كبير مثل مناقشة تأثير السياق على الأعمال الفنية في الأماكن العامة.

وتولت الإشراف على التجربة شركة “أربز” (Urbz)، التي تأسست في مدينة مومباي الهندية وهي تعاونية للأبحاث تُعنَى بالتخطيط التشاركي من خلال دمج السكان المحليين في عمليات التصميم والتخطيط الحضريين. واستمرت التجربة ثمانية عشر شهرًا من الاستشارات الجماعية تُوجِّت بورشة عمل دامت لثلاثة أيام.

بقدر ما تناولت تجربة لاريبون التخطيط الحضري، فقد قدمت أيضًا لمحات عن علاقة السكان بمحيطهم والتأثير المُتبادل فيما بينهم. ويقول المسؤولون عن التجربة أن المناقشات كشفت عن تباين الأولويات بين الجانبين؛ فبينما يهتم الجمهور بمسائل الهوية، تُركز الإدارة المحلية والمعنيون بالتخطيط على عمليات التصميم والتطوير.

وقال المُؤسس المُشارك في “أربز”، ماتياس إيشنوف، أن لدى بعض المشاركين في المناقشات أفكارًا واضحة بشأن كيفية تطوير الميدانيين، لكن غالبًا ما يرغب السكان في الحديث عن ارتباطهم بالمكان وتجاربهم معه أو التعبير عن استيائهم من بعض سماته.

واتضح ذلك خلال ورش العمل في عطلات نهاية الأسبوع؛ إذ روى كثيرون ذكرياتهم في الميدن عبر العقود المُتوالية، كما أعرب البعض عن شكوكهم حيال صدق المدينة في الاستماع إلى آرائهم واحترامها عند تطوير التصميمات الجديدة.

مشاركة واسعة

من بين الأمور اللافتة في التجربة دعوة جميع السكان للمشاركة دون تفرقة أو اعتبار للتقييم الاجتماعي؛ ومثلًا كان من بين أكثر المشاركين حماسًا مجموعة دأبت على تعاطي المخدرات في الميدان، واعتبروا أن وجودهم في الميدان يُمثل بالنسبة لهم آليةً اجتماعيةً للتكيّف ويرغبون في استمرار تجمعاتهم باعتبارهم جزءًا من الجمهور ويحتاجون إلى مساحات عامة.

وقاد ذلك إلى التساؤل عن إمكانية التوفيق بين رغبتهم كمجموعة تحظى بتسامح البعض وليس قبول الجميع من جانب، ورغبة المدينة ومواطنين آخرين في تنظيم الميدان من جانبٍ آخر.

وفي حين يدفع وجود هذه المجموعة بعض المواطنين لتجنب الميدان، يرغب آخرون ألا يتحول لاريبون، كأحد المناطق القليلة التي لا تخضع لتنظيم مُشدد في لوزان، إلى مجرد مساحة للتسوق كحال الكثير من المناطق في وسط المدينة. واعتبر هؤلاء مثل هذه التحولات تفريغًا لحيوية المدينة.

ولا يزال من المُبكر تقييم أثر آراء السكان في الهيئة الجديد لميدان لاريبون وميدان آخر قريب، وستعتمد “أربز” على هذه الآراء لصياغة شروط المسابقة المعمارية الي تستهدف إعادة تخطيط المنطقة، وتأمل أن تكشف عن النتائج بحلول عام 2020، وأن تصير التجربة نموذجًا مبتكرًا لمشاركة الجمهور في تغيير المحيط الحضري.

نماذج ملهمة ذات صلة

يونيو 06 , 2020

مشاركة المواطنين تُسِهم في الحد من وفيات الطرق

أقل من أ دقيقة
أغسطس 25 , 2019

كيف بنت عاصمة باراجواي بياناتها عن السكان من الصفر؟

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 02 , 2019

في روما: تذاكر المترو مقابل زجاجات البلاستيك!

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 04 , 2019

الفشل في الابتكار: أربعة دروس من القطاع الخاص

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 15 , 2019

الهواتف المحمولة وثورة الرعاية الصحية في أوغندا وكينيا

أقل من أ دقيقة