كيف صارت نيويورك عاصمة بيانات العقارات؟

البيانات نوفمبر 12, 2019 أقل من أ دقيقة

هذا المحتوى مقدم من منصة حكومة 01

ربما تفتح البيانات عن قطاعٍ واحد الباب أمام شركات عدة وتُنشئ قطاعًا جديدًا كليًا، وهو ما يتجلى في تجربة نيويورك مع البيانات الخاصة بالعقارات التي جعلتها، بحسب خبراء، عاصمة البيانات العقارية دون مُنازع، ومركزً مزدهرًا لشركات التكنولوجيا العقارية.

نيويورك في مرآة المدن الأخرى

تتقدم نيويورك عن المدن الأمريكية الأخرى فيما يخص سهولة الوصول إلى بيانات العقارات، ولذلك كان من السهل مثلًا على شركة “رينومي” (Reonomy) العمل فيها منذ عام 2013. وتجمع الشركة البيانات عن العقارات من مصادر مختلفة وتُتيحها في موقعٍ واحد.

وتُوفِّر نيويورك بياناتها في نسق يسهل استخدامه وتحليله، بحسب ما قال باتريك رافيرتي، نائب رئيس شركة “رينومي”. وفي المُقابل لم تكن مهمة الشركة يسيرة في لوس أنجليس؛ فهناك كان عليها شراء صور جميع الوثائق ثم تحويل آلاف الصور إلى تنسيق يسمح بالتعرف على الأحرف والبحث داخل النصوص.

وفضلًا عن ذلك، تتوزع بيانات مقاطعة لوس أنجليس بين ثماني وثمانين مدينة لكلٍ منها إدارة منفصلة، بينما تُدير نيويورك بيانات مناطقها الخمسة كمنطقةٍ واحدة. ولا تقتصر صعوبات العمل على لوس أنجليس فكذلك نيوجيرسي وديترويت لا تمتلكان قاعدة بيانات للممتلكات العامة.

وجعلت بيانات العقارات من نيويورك بيئةً مُناسبة للشركات الناشئة التي تُحاول الابتكار في مجال بيانات العقارات، كما يسَّرت أعمال الوسطاء الذين لم يعُد عليهم الركون إلى ادعاءات مُلاك العقارات بسلامة منشآتهم من المخالفات، وبات بمقدورهم التأكد من سجلات المدينة المُتاحة على الإنترنت.

وقال إل. دي. سلمانسون، أحد مُؤسسي شركة “تشيري” (Cherre) لبيانات العقارات: “لدى نيويورك البيانات الأعلى جودة والقدر الأكبر من البيانات أكثر من أي مكان في الولايات المتحدة، وبقدر علمي في العالم”.

واكتشف سلمانسون ذلك قبل نحو ثماني سنوات حين فكر في تأسيس شركته، ووجد نيويورك المدينة الوحيدة المناسبة، فتجمد المشروع ليظهر إلى النور في عام 2016 حين بدأت مدنٌ أخرى في اللحاق بركب البيانات المفتوحة وإن كانت نيويورك لا تزال مُتقدمة بفارقٍ كبير. وتستخدم “تشيري” الذكاء الاصطناعي لجمع بيانات عامة وخاصة عن العقارات.

مسيرة التحول

في الواقع لم تكن الوفرة والازدهار عنوانًا دائمًا لبيانات العقارات في نيويورك؛ فقبل عقدٍ واحد كان من شبه المستحيل الحصول على كثيرٍ من المعلومات حول عقارات المدينة سواءً على الإنترنت أو خارجه. وقال سلمانسون أن محاولات التعرف على القضايا الخاصة بالعقارات أو قواعد استخدام الأراضي في كل منطقة وعناوين البريد الإلكتروني للمُلاك كانت غير مُجدية.

وكانت بداية التحول في عام 2009، فبدعمٍ من مساعي حكومة الرئيس السابق باراك أوباما لزيادة الشفافية الحكومية أطلق عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبرج مسابقةً تحت اسم (NYC BigApps) لتطوير التطبيقات اعتمادًا على البيانات العامة. ولهذا الغرض نشرت المدينة 160 من مجموعات البيانات منها ما يخص العقارات والتفتيش على المطاعم.

أما المرحلة الأهم في مسيرة التحول فتعود إلى عام 2012، بحسب أدريان ميركادو، كبير مسؤولي المعلومات في شركة “بي 6 ريال ستيت أدفايزورز” (B6 Real Estate Advisors) للاستشارات. وفي ذلك العام أصدرت نيويورك قانون البيانات المفتوحة الذي نص على نشر المعلومات دون طلبٍ مُسبق. ومن قبل استلزم الحصول على معلومات مثل الشكاوى من الضوضاء تقديم طلبات تستند على قانون حرية المعلومات.

ومنذ ذلك الحين نشرت نيويورك أكثر من 1600 مجموعة بيانات يجري تحديثها باستمرار، وتشمل وثائق ملكية العقارات والمخالفات وتقسيم المناطق والشكاوى غير المتعلقة بحالات الطوارئ. ولاحقًا في عام 2015 أضافت إدارة العمدة بيل دي بلاسيو أدوات ومواقع لتمثيل البيانات مرئيًا وتيسير الإطلاع عليها حتى لمن لا يتمتعون بخبرات في التكنولوجيا.

مشكلة الجودة

وبطبيعة الحال لم تكتسب تجربة نيويورك في البيانات المفتوحة رضا الجميع ومن هؤلاء مُلاك العقارات؛ إذ أنها جعلت من السهل تحصيل معلومات مُفصَّلة ومنها الشكاوى بشأن عقاراتهم حتى قبل البت فيها، كما أثارت مخاوف البعض من الاستثمار في عقارات تمتلكها عدة عائلات.

وعلاوةً على ذلك، فلم تكن جودة البيانات المنشورة على مستوى حجمها الهائل. كما لا تغطي البيانات جميع مناطق نيويورك بالقدر نفسه، وضرب ميركادو مثلًا بنقص المعلومات العامة عن جزيرة ستاتن، وكذلك بإغفال أغلب أنشطة التأجير، وهي معلومات أساسية من أجل تقدير عائدات كل عقار.

واعتبر جوناثان ميلر رئيس شركة التقييم العقاري والاستشارات “ميلر صمويل” (Miller Samuel)، أن بيانات العقارات في نيويورك تُواجه “مشكلةً حقيقيةً في الجودة”، وأن مُقارنتها بنظيرتها في مدينة ميامي لن تكون في صالحها على الإطلاق، ووصف بيانات نيويورك بأنها “بدائية للغاية” في مُقابل الكثير من أسواق الإسكان الأخرى.

نيويورك قِبلة بيانات العقارات.. حتى إشعار آخر

لا تُمثل مدينة ميامي التحدي الوحيد لمكانة نيويورك البارزة في بيانات العقارات؛ ففي الأعوام الأخيرة اجتهدت مدنٌ أمريكية أخرى مثل سان فرانسيسكو وشيكاغو وسياتل ولوس أنجليس في الارتقاء ببياناتها، وتسعى جميعها لإتاحتها على الإنترنت بما يسمح للشركات بالاستفادة منها.

لكن مكانة نيويورك كعاصمة للبيانات العقارية لا تعتمد على البيانات المفتوحة وحدها، وهو ما يضمن احتفاظها بصدارتها كما يري خبراء. وأرجع سلمانسون صدارة نيويورك إلى تمتعها بنظامٍ شامل وفريد عن غيرها لدعم الشركات العاملة في تكنولوجيا العقارات، مُعربًا عن اعتقاده أن المدينة ستظل قبلةً لقطاع التكنولوجيا الخاصة بالعقارات حتى في غياب البيانات المفتوحة.

وأشار رافيرتي من شركة “رينومي” إلى تمتع نيويورك بسوقٍ قوية للعقارات تحتضن أغلب الشركات الرئيسية التي تتخذ من المدينة مقرًا رئيسيًا لها أو مركزًا مهمًا لأنشطتها، وهم العملاء الرئيسيين لشركات التكنولوجيا العقارية، الأمر الذي يسمح بميزة اللقاءات المباشرة بين الطرفين.

ويُضاف إلى ذلك إقبال المستثمرين على تمويل شركات ناشئة ما رسَّخ مكانة المدينة كمركز للتكنولوجيا العقارية. وربما يكمن سر وصفة نيويورك الناجحة في مزجها هذه العوامل جميعًا.

نماذج ملهمة ذات صلة

يونيو 06 , 2020

مشاركة المواطنين تُسِهم في الحد من وفيات الطرق

أقل من أ دقيقة
أغسطس 25 , 2019

كيف بنت عاصمة باراجواي بياناتها عن السكان من الصفر؟

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 02 , 2019

في روما: تذاكر المترو مقابل زجاجات البلاستيك!

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 04 , 2019

الفشل في الابتكار: أربعة دروس من القطاع الخاص

أقل من أ دقيقة
سبتمبر 15 , 2019

الهواتف المحمولة وثورة الرعاية الصحية في أوغندا وكينيا

أقل من أ دقيقة