خمس نصائح لنشر ثقافة البيانات

يتزايد إيمان المؤسسات الحكومية والخاصة بأهمية البيانات وتحليلاتها في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، لكن يتطلب استخدامها تحولًا كبيرًا في ثقافة العمل وتقبل الموظفين فضلًا عن توفير التقنيات المُلائمة ووضع الاستراتيجية الصحيحة.
وقبل سنوات قليلة بدأت شركة “إل آند تي جروب” (L&T Group) الهندية، وهي واحدة من كبريات شركات الهندسة والبناء في آسيا، مساعيها لاستيعاب البيانات والتحليلات المُتطورة في أعمالها، وقصدت توظيف البيانات في تحسين عملياتها وزيادة الإنتاجية وتوفير التكاليف.
وواجهت الشركة في البداية مشكلة قلة النماذج المُماثلة؛ فلا يُعرف عن قطاع الهندسة والتوريد والبناء استخدامًا فعّالًا لتحليلات البيانات في اتخاذ القرارات. ويغلب على هذا القطاع العمل في مواقع البناء بدلًا من مراكز البيانات والمختبرات، وعلى مستوى قطاع الهندسة والبناء في الشركة نفسها استخدم أقل من 20% من العاملين الحواسيب والأجهزة المحمولة في مواقع العمل، واعتمدت التقارير غالبًا على تقديرات عامة وسط إغفال قيمة البيانات في تحسين وتيرة الإنجاز.
وبطبيعة الحال كان التحدي كبيرًا بالنظر إلى ما يحتاجه تأسيس ثقافة تقوم على البيانات من وقتٍ وجهد وتحول في طريقة العمل. وتعتمد تحليلات البيانات على مزيجٍ من التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والواقع الافتراضي والأمن السيبراني والتقنيات الجغرافية المكانية وأتمتة العمليات الروبوتية.
وخلال سنوات من التحديث استفاد قسم الهندسة والبناء في “إل آند تي” من وضعه استراتيجية جيدة وشاملة للبيانات، ونجح في ربط أكثر من عشرة آلاف آلة تتوزع بين أربعمائة وخمسين موقعًا للعمل بالإنترنت. كما تحسنت مستويات السلامة في مواقع العمل بفضل التدريب المُكثّف عبر تقنية الواقع الافتراضي واستخدام تطبيقات المحمول لضبط الالتزام بإجراءات السلامة، بالإضافة إلى تقديم تنبيهات قبل الدخول إلى مناطق الخطر.
وحاليًا صار باستطاعة الشركة قياس مختلف أجزاء المشروعات، الأمر الذي أثمر كفاءةً في استهلاك الوقود وزيادةً في إنتاجية العاملين والآلات. ولا تزال الشركة تطمح إلى زيادة مكاسبها من البيانات. وتُّقدِّم تجربة “إل آند تي” خمسة دروس مفيدة لتأسيس ثقافة مؤسسية مدفوعة بالبيانات على النحو التالي:

أولًا: التحول الرقمي أكثر من مجرد فريق مُتخصص:
يتطلب التحول الرقمي الحقيقي دمج العمليات الرقمية في مختلف الأقسام واعتبارها جزءًا أصيلًا في العمل، وألا تقتصر على فريقٍ واحد مُنعزل. ومن دون ذلك ستُهدِر المؤسسة جهودها.

ثانيًا: الجرأة والاستعداد للتغيير:
تحتاج ثقافة العمل المدفوعة بالبيانات إقرارًا باختلاف قطاعات العمل فيما بينها والاستعداد الدائم للتكيف مع التطورات. وفي حالة شركة “إل آند تي”، فقد أدركت من البداية قلة النماذج التي يُمكنها محاكاتها في قطاع الهندسة والبناء، وتعاونت مع شركاء في قطاع تكنولوجيا المعلومات لوضع استراتيجية وخطة للتنفيذ، وفي الوقت نفسه أضافت إليها تغييرات وخططت لمزيدٍ من التعديلات التي تتوافق مع البيانات والتحليلات الواردة.

ثالثًا: تحسين العمل قبل الجزاء:
تتسبب إضافة أجهزة الاستشعار في المعدات وخوذات العمال في شعورهم بالخضوع للمراقبة. وبالتأكيد يلعب جمع البيانات دورًا في اكتشاف المخالفات سواءً على مستوى الإنتاجية أو معايير السلامة، لكن ينبغي أن يكون لها دور مُماثل في اكتشاف أوجه التحسين ومدى الحاجة إلى تدريبات إضافية أو تحديث لإدارة العمل. وينبغي على المؤسسات أن تشرح للعاملين من مختلف المستويات سُبل استفادتهم من البيانات وتحليلاتها.

رابعًا: تأكيد نفع البيانات للعاملين والمشروعات:
يرتبط نصيبٌ كبير من ثقافة العمل المُعتمدة على البيانات بتقبل الموظفين وتعاونهم، ولذلك يتعين على المؤسسات شرح دور البيانات في تحسين مُخرجات العمل ومعايير النجاح. كما ينبغي أن تُقدِّم المؤسسة شرحًا مُلائمًا للعاملين من مختلف التخصصات والمستويات حول تأثير البيانات على تحسين أداءهم وزيادة كفاءة العمل عمومًا.

خامسًا: أولويات القياس:
لا يُقصَد باستيعاب تحليلات البيانات في العمل جمع البيانات أو قياس كل شيء ولاسيما في المراحل الأولى؛ لأن هذا يعني الانتقال المفاجئ من نقص تحليلات البيانات إلى وجود قدر هائل منها حول الأشخاص والمعدات والعمليات وبالتالي الإغراق في التفاصيل وافتقاد الرؤية الحاكمة. ولذلك من المهم التركيز في البداية على الجوانب الأكثر أهمية والأكبر قيمة للعمل.

وفي أية مؤسسة، تُمثِّل العقلية المدفوعة بالبيانات خطوةً أولى تتبعها بالضرورة تنمية هذه العقلية لتتحول إلى ثقافة العمل السائدة لدى العاملين على مختلف المستويات، وحينها سيتجلى أثرها في تحسين الإنتاجية وتحفيز العاملين على المشاركة والابتكار.